الثلاثاء، 12 مايو 2020

ذات صبح ..


رأيت الفتى ذات صبح

على مهرة في سماء نديةْ
يقول، لقد كنت أكتب شعراً كسحبة ناي
أمام الجيوش، وكنت أهدهد نفسي الحمامة بين يديَّ
لكي لا تصاب بلون الدخان،
وكنت أخاطب روح العدو، التي في أغاني سليمان
حتى أنظف ريش الغراب، عسى أن تراوده رغبة في البياض،
وكنت أفصل وجه الضحية في حلمي
ثم أرفعه علماً وأربي الهوية
وقد كنت أكتب أسماءكم فوق سنبلة تاجها في الغيوم
و في كف فلاحة تفرك القمح والهال أولها
وهي تترك لوناً ورائحة تشبهان السلام
وكنت أرى شبهاً بيننا، بين من مات منا ومن مات منهم قديماً
أذكر، بالبشرية فيهم، وإلا بما يشبه البشرية
أقول لهم، إن أسفاركم لن تكون كشِعريَ في حب هذي البلادِ
سأكتب للشعبِ، شعبي الكتابَ المقدسَ خاصتَه،
سوف أهديه ملحمة في ثلاثين جزءاً
أتيت أنافس، رب الجنود، ونافسته، واستقام الكلامْ
أغني على مهل، وعلى أملٍ
أن يرانا المصور في النشرة الأبدية،
عسى أن يقول المراسل
إن هنا بشراً، لا أساطير،
إن هنا
ولداً طيب النفس يعرف كيف يربي الحمام

أقول رأيت القتيل، يقول كفى
فغراب الأعادي من الفحم
لن يتغير،
والنصر يغنيك عن شرح أسبابه

لقد كنت سمح المحيا، ورحباً، وأحتمل الظلم حتى أبينه كالمسيح
ولكنهم حملوا القلب أكثر مما تطيق القلوب
ومرت على رأس عيسى الحروب

فلا تتركوهم، خذوا الدَّين، أقصد، شعري الجميلَ استعيدوه منهم
وأقصد بالشِّعرِ، مِشيةَ شعبي إلى الصلبِ مشي النبي الوديع الضحية
أقول استعيدوا قليلاً من العنف،
بعضَ الوضوح،
فثمة متسع للكناية بعد انحسار المذابح،
يا ولدي، ليس هذا حواراً مع الآخر الأزلي،
ولا هو بالجدل الفلسفي
هو الموت، في الشمس، لا لبس فيهِ
هي الحرب، حاور بما تقتضيهِ
ولا تنتظر يوم يقرأ خصمك شعرك،
لن يقرأوه
ولا تلبس اليوم ثوب التقيةْ
وخل السلاح، وإن كان حفنة رمل رميت بها رتلهم،
ليعلم أعداءك اللغة العربية

الأحد، 3 مايو 2020

حكايه فلسطينيه ..

نبوءة السيدة
في قريتنا دير غسانة، في بني زيد من قضاء بفلسطين يحكون عن ليلة ماطرة أوائل الثمانينيات، هجم فيها جنود الاحتلال على سيدة منا في بيتها، الضابط الإسرائيلي المكلف باعتقال ولدين من أولادها الأربعة، قال لها ألبسيهما جيدا فلن تريهما بعد اليوم، كان الولدان في المدرسة الإعدادية.
قالت السيدة للضابط: راح أشوفهم، وراح يكبروا ويتجوزوا ويخلفوا وانت راح تقتل يا لعين الوالدين...
سأراهما وسيكبران ويتزوجان ويرزقان بالولد وأنت ستقتل يا لعين الوالدين...
بعد شهور أرسل الضابط الإسرائيلي إلى لبنان مع القوات الإسرائيلية التي اجتاحته، فقتل هناك. وروت لي السيدة الكريمة هذه القصة بعد عشرين سنة من وقوعها، في بيتها وأولادها حولها وأحفادها يلعبون في ساحة الدار...
وبالرغم من أن أهل القرية يحكون القصة من باب عجائب الصدف وغرائب الاتفاق، الا أن القصة كان يمكن ان تنتهي عند جواب السيدة للضابط، فجوابها يهزمه قُتل بعدئذ أو لم يُقتل
وصدقت نبوءتها أو لم تصدق. بل إن جوابها يهزمه أياً كان رده عليها، لأن القوي لا يكون الا في خيال الضعيف، او في خيال الإنسان الذي يظن أنه ضعيف. أول خطوة على طريق الخلاص من الضعف هي ألا ترى نفسك ضعيفا وألا ترى القوي قويا. فمن قال إن التعاون مع المحتل والتأدب معه سبيلنا لأننا ضعفاء فهو تحديدا من يضعفنا، ومن آمن أن الاحتلال أوهى من بيت العنكبوت ثم قاومه، قوته مقاومته كمصارع مدربه الأول هو الصراع ذاته.
وإن أحد أهم المراجع التي كنّا ندرسها ثم ندرسها في الجامعات في مادة العلوم الاستراتيجية، كان كتاب كارل فون كلاوزفتز، القائد العسكري البروسي الذي قاتل ضد نابليون في معارك عدة
ومنها معركته الكبرى الأخيرة في واترلو. عنوان الكتاب بسيط ومباشر "فوم كريغ"، "عن الحرب" وكثير من الاقتباسات الشهيرة المتداولة عن الحروب إلى يوم الناس هذا مأخوذ منه، كقوله إن الحرب ممارسة للسياسة بأساليب أخرى، أو قوله إن ثمة حالات تكون فيها قمة التهور قمة الحكمة، أو قوله العظيم: "الغازي دائما محب للسلام، إنه بالطبع يفضل أن يأخذ بلادنا بلا مقاومة". لكن ما يعنينا هنا قوله: إن الحرب لا يجوز اعتبارها منتهية إلا باتفاقية سلام تجبر على توقيعها حكومة الطرف المهزوم وحلفاؤها بما يضمن انكسار إرادتها وخضوعها، وحتى بعد توقيع الحكومات لاتفقايات السلام تلك فلا بد من أن تتغير إرادة الشعب المهزوم، وإلا فالحرب مستمرة ونتيجتها غير مضمونة.
فهو يعني أن المهزوم لا يكون مهزوماً إلا إذا أقر بأنه مهزوم. وهو إن لم يسلم بذلك فالحرب لم تنته بل خبت مؤقتاً فحسب..
إن الضابط الذي وقع مجازاً اتفاقيات سلام مع حكومات كثيرة، لم يوقع مثلها مع السيدة التي اعتقل أولادها، وقادته يعلمون أن نهاية طغيانهم ستبدأ منها وممن كان مثلها، فلنتذكر ذلك دائما انت وانا، نحن من يسمينا الناس مهزومين، ويسمون المتسلطين علينا من غزاة وطغاة منتصرين. نحن لم نهزم بعد، ولن نهزم إلا إذا اقتنعنا أننها مهزومون.
نحن رغم كل شيء أقوى بكثير مما نظن.

Damascus..