الاثنين، 28 يناير 2019

العقيد عدنان المالكي ..

العقيد عدنان المالكي : ولد بدمشق في حي المهاجرين عام 1919م ودرس المرحلة الابتدائية والثانوية في مدارس دمشق، واشتهر بتفوقه الدائم وجرأته الأدبية وحبه للرياضة، كان منذ صغره ميالاً للجندية وشديد الشغف بمطالعة سيرة أبطال التاريخ العسكري وبدراسة تاريخ المعارك الحربية الكبرى.

نهى دراسته الثانوية عام 1937م والتحق بالكلية العسكرية في حمص وتخرج منها عام 1939م، وخدم في الجيش السوري زمن الانتداب وزمن العهد الوطني، وفي قطاعات مختلفة حيث كانت تسند إليه مهام تدريب الجنود والرقباء، كما عين مدرباً في الكلية العسكرية. وفي عام 1948 حين نشبت حرب فلسطين ترك التدريس بالكلية العسكرية في حمص وانضم إلى الجيش بالجبهة حيث تولى قيادة إحدى سرايا المشاة. أمام "التل الأسود" الحصين المجاور لمستعمرة مشمار هايدن في شمال فلسطين المحتلة قاد عدنان سريته مقتحماً التل الأسود ثم مدافعاً مستميتاً عن هذا التل الذي أُطلق عليه منذ ذلك التاريخ اسم "تل المالكي"..

بعد الجلاء ساهم مساهمة فعالة في تأسيس الجيش السوري حيث أسس مدرسة صف الضباط، وخرّج أولى دوراتها وكان مديراً لدورات عدة في الكلية العسكرية.

عُرف عن المالكي وطنيته الصادقة منذ الصغر، وكان مصدر إزعاج للانتداب الفرنسي فلم يألُ جهداً خلال خدمته بالجيش تحت إمرة القيادة الفرنسية من نشر الروح الوطنية بين مرؤوسيه من ضباط ونقباء وجنود مذكراً إياهم دوماً أن الجيش للوطن، وكان نشاطه الوطني هذا يقلق القادة الفرنسيين وكانت له مواقف مشهورة معهم، فوضع تحت الرقابة الشديدة إلى أن تفاقمت الحوادث بين السوريين والقوات الفرنسية فالتحق بالقوات السورية ومن ثم عُين عضواً في لجان تسليم قوات ومعدات الجيش الخاص من قبل الفرنسيين إلى الحكومة السورية. تعرض المالكي عدة مرات خلال حياته للاعتقال والسجن والتسريح من الجيش.


وهنالك رسائل كثيرة أرسلها الشهيد إلى والدته من السجن صدرت في ذلك الوقت ضمن كُتيّب خاص، فقد اعتقل بأمر من الشيشكلي في سجن المزة مع عدد من الضباط والسياسيين منهم، عبد الغني قنوت وبرهان قصاب حسن وبشير صادق والمحامي رياض المالكي والمحامي شفيق عدنان، وبقي المالكي في السجن حوالي سبعة أشهر أحيل بعدها الى التقاعد والإقامة الجبرية في منزله، ومن ثم رحل الشيشكلي وأعيد المالكي إلى الجيش.

كان الشهيد رافضاً مغادرة البلاد للدراسة في فرنسا، ولكن ذهب لإجراء دورة في المدرسة الحربية العليا في فرنسا والتي أهلته شهادتها لحمل لقب ضابط (ركن مجاز) ويقولون أُرسل إلى هذه الدورة لإبعاده عن دمشق آنذاك، وكان متفوقاً في هذه الدورة وترتيب نجاحه الثاني على الدورة، بينما كان ترتيب شمعون بيريز 62 وأمين النفوري 12،

نال المالكي خلال حياته سبعة أوسمة منها وسام الاستحقاق السوري من الدرجة الأولى، ووسام الاستحقاق اللبناني، ووسام الكوكب الأردني من الدرجة الثانية، وبعد استشهاده مُنح وسام الشرف بدرجة فارس.


قد يكون من الأمور المعقدة وذات الحساسية المرتفعة، الحديث عن استشهاد العقيد الوطني المحبوب عدنان المالكي في الملعب البلدي بدمشق أثناء مباراة لكرة القدم يوم 22 نيسان عام 1955، وقد يطال الحديث عنه حزباً من أهم الأحزاب على الساحة الشامية ورجالاً من القوات المسلحة الذين تبوؤوا أعلى المراكز؟

حين استشهد المالكي اتهم على الفور الحزب القومي السوري الاجتماعي وسارت الإجراءات بسرعة وفي نفس يوم الاستشهاد قامت حملة اعتقالات واسعة لجميع القوميين الاجتماعيين في كل أنحاء سورية، وبدا الأمر واضحاً أن المطلوب استئصال الحزب القومي السوري الاجتماعي جذرياً من الساحة السورية، وأطلقت شعارات واتهامات شنيعة بحق الحزب.. وحدثت اتهامات متبادلة وجدل عنيف بين الأحزاب الوطنية خلقت صراعاً فيما بينهم فدفعوا جميعهم ثمنه ولفترة طويلة... ونلحظ هنا أنه بعد ثلاث سنوات من الحملة على الحزب القومي السوري ، أُجبر حزب البعث العربي الاشتراكي أن يحل نفسه كما قامت حملات ملاحقة واعتقالات كثيرة طالت الشيوعيين السوريين بهدف تصفيتهم بأشكال مختلفة؟.

على عجل شُكلت محكمة للنظر في قضية اغتيال عدنان المالكي وسماع أقوال المتهمين والشهود، وعلى عجل انتهت المحكمة وأدانت من أدانت وبرأت من برأت، بالرغم من أن أوراق دعوى العقيد المالكي المرفوعة للتمييز بلغت 25 كيلوغراماً، مؤلفة من خمسة آلاف صفحة، وخمس أضابير، ومئة مصنف، وبلغت لوائح التمييز 300 صفحة ومطالعة النيابة 128 صفحة وقرار المحكمة 131 صفحة.

هل كان المطلوب آنذاك إنهاء إجراءات المحاكمة سريعاً وتجريم من اتهم والقضاء على الحزب القومي السوري الاجتماعي كهيئة سياسية حزبية لها فكرها المغاير لباقي الأحزاب السياسية؟ أم فعلاً هذا الحزب هو من قاد عملية الاغتيال بدلالة أن المتهم الأول في مصرع المالكي هو أحد أعضاء الحزب القومي السوري!؟ إضافة للاعترافات التي استمعت لها المحكمة؟! ومن جهة أخرى لم يزل السؤال مطروحاً والإجابة عليه تشعبت؟! لماذا اغتيل عدنان المالكي؟؟؟

هل الاغتيال كان بسبب صراع المالكي مع عدد من ضباط الجيش وعلى رأسهم رئيس الأركان الدرزي شوكت شقير والمقدم العلوي غسان حديد؟

هل أرادت مصر والولايات المتحدة الأميركية التخلص من ضابط عروبي وطني ذي ميول ماركسية ؟

هل كان وقوف المالكي ضد الأحلاف التي كانت مطروحة في تلك الأيام على الساحة العربية كحلف بغداد "مثلاً" سبباً في الاغتيال بهدف إزاحة أهم خصوم حلف بغداد السوريين؟

هل كان اغتيال المالكي عقاباً على صفقة السلاح مع تشيكوسلوفاكيا والاتحاد السوفييتي للجيش السوري؟ أم انتقاماً من مكانة سورية في مؤتمر باندونغ؟ وهل هنالك أصابع نسائية ترتسم وراء الكواليس؟ أسئلة وأسئلة طُرحت وتطرح وملف اغتيال الشهيد عدنان المالكي لم يزل مفتوحاً!؟.

في قراءة للروايات التي كُتبت عن اغتيال عدنان المالكي هنالك اختلافات وتناقضات فيها، ولم يكن من المـــــؤكد أن الحزب القومي السوري كان وراء عملية الاغتيال.. لقد تركزت الأنظار والدراسات والتحليلات كلها على القاتل الذي أطلق النار على المالكي ولم يُكشف القاتل المستفيد الحقيقي حتى الآن.!؟ وقد يقول قائل، إن كل ما تبع جريمة اغتيال المالكي، لم يكن هدفه كشف من دبر ونفذ وقتل العقيد عدنان المالكي، بقدر ما كان من يستطيع توريط القوميين في هذا الاغتيال على كل المستويات!!!

سنخوض في الحديث بالتفصيل عن استشهاد عدنان المالكي، عن علاقة الحزب القومي السوري بذلك... ونتساءل هل هنالك دول ومنها العربية وراء الاغتيال!؟ هل هنالك دول وأشخاص وأحزاب وراء جريمة اغتيال المالكي!؟ من الذي أطلق النار على المالكي!؟.

سنتحدث عن شهادات من عاصر الحدث، عن أقوال الصحف الصادرة في الخمسينيات والستينيات من القرن الماضي عن هذا الاغتيال، ونتحدث عن أقوال عائلة محمد شمس الدين المالكي ساعة وقوع الاغتيال!؟.

خفايا كثيرة نحاول إماطة اللثام عنها من خلال ما تحمله الذاكرة الشعبية السورية عن الحدث معتمدين على الصور النادرة التي لم يسبق أن نشرت! ولن نقف عند الممنوع والمحظور، سنضع أمام القارئ مجموعة من الوثائق والتفاصيل والخفايا والآراء قد تبرِّئ القاتل من القتل، وقد تدين القاتل بالقتل!!

من خلال الوثائق والشهادات نروي اغتيال شهيد العروبة عدنان المالكي: ولنا في قول رسولنا العربي (صلى الله عليه وسلم) قدوة: "إن اجتهدت فأصبت فلك حسنتان، وإن أخطأت فلك حسنة واحدة".

أسرة المالكي من الأسر الدمشقية المعروفة بدمشق، وتعود جذورها إلى المغرب العربي، وهي ذات جذور إقطاعية، جاءت دمشق منذ قرابة 300 عاماً، والد الشهيد عدنان المالكي هو محمد شمس الدين "كان يبلغ من العمر 81 عاماً حين اغتيل ولده" ، والمعروف آنذاك بـ(شمس باشا)، كان يعمل بالزراعة، وانتخب رئيساً للغرفة الزراعية خلال عدة دورات انتخابية. وإبان الثورة السورية كان يمد الثوار السوريين بالمال والسلاح والمؤن، وله مواقف مشهودة ضد الانتداب الفرنسي، والتحق "مع ولده فؤاد الذي كان يبلغ 14 سنة" بالخارجين للمشاركة في معركة ميسلون، وأحرقت أرضه ومحاصيله الزراعية عدة مرات بسبب مساندته للثوار ضد الانتداب، وهو رجل متبين في دمشق وغوطتها وكان مرجعاً لحل المشاكل التي قد تقع بين الفلاحين في الغوطة، حيث اشتهر بخبرته الواسعة في الزراعة وبصدقه واستقامته، وكان صارماً جداً في معاملته لأولاده، وساعياً دؤوباً لتأمين جميع حاجات وطلبات أولاده، ويختلف في الآراء والأفكار في القضايا العامة والحوادث السياسية مع أولاده.

حتى الجد محمد شمس الدين لم يشارك في جنازة الشهيد ابنه العقيد عدنان ولم يصلِّ عليه في الجامع، ولكن رياض (محامٍ ونائب في البرلمان) أصغر أولاد محمد شمس الدين التزم الصلاة والجامع في آخر أيام حياته وتقول إحدى قريبات الشهيد (رياض لا ينتمي إلى الإسلام.!؟ وتعود وتقول ولكن في آخر أيامه التزم الجامع).


لشهيد عدنان المالكي، لم يكن ضابطاً عادياً في الجيش السوري، بل كان من ألمع وأهم الضباط السوريين والعرب، باعتراف الكثيرين من محبيه وأعدائه الذين أجمعوا على القول إن موت المالكي غيّر الحياة السياسية في سورية وأثر على الحياة السياسية في المنطقة العربية.. والشهيد لم يكن عسكرياً فقط بل كان له الباع في الشأن السياسي، وله علاقاته المميزة مع رجال الدين المسيحي والإسلامي، وفي ذلك الوقت كانت في سورية العديد من الأحزاب السياسية، فكان المالكي على خصام أو ود مع تلك الأحزاب السياسية وقت ذلك بسورية :

حزب الشعب:

هو من أهم الأحزاب الوطنية السياسية السورية آنذاك مع الحزب الوطني (الكتلة الوطنية)، برز الحزب مع بداية الحياة السياسية السوريّة خلال الانتداب الفرنسي على سورية برئاسة عبد الرحمن الشهبندر، وتأسس رسميًا بعد الاستقلال، وهو الحزب المعارض التقليدي للحزب الوطني (الكتلة الوطنية)، ومن أهم قادة حزب الشعب كل من، رشدي كيخيا، وناظم القدسي، وكانت شعبية وأنصار هذا الحزب تتمركز في حلب وحمص وحماة.

والشهيد المالكي لم يكن على وئام مع هذا الحزب، وخاصة أنه يؤيد ويدعم شوكت شقير (العدو التقليدي للمالكي)، والشقير هو الزعيم شوكت شقير رئيس الأركان العامة للجيش السوري، الذي كان على خلاف دائم مع الشهيد، (وهذا مما دعا والد الشهيد من اتهام شقير باغتيال ولده كما سيمر معنا لاحقاً). وعرف الحزب بأنه يمثل حلب.

الكتلة الوطنية: 

هو الحزب السياسي (الحزب الوطني) أسس في شباط من عام 1925م، من أهم زعماء الكتلة التقليديين شكري القوتلي، عرف الحزب بأنه من أقوى الأحزاب السورية الذي لعب مع حزب الشعب دورًا بارزًا في الساحة السياسية السورية خصوصًا في مقارعة الاستعمار، وضمت الكتلة في صفوفها عددًا كبيراً من القيادات السياسيّة السورية خلال عهد الجمهورية الأولى.

تعرضت الكتلة لعدد من الانشقاقات الداخلية، وانسحبت منها بعض قياداتها الكبيرة، وأعيد تنظيمها بعد الاستقلال وسميّت «الحزب الوطني السوري»، وكانت تسيطر تارة على البرلمان وتارة على الحكومة بالتناوب مع حزب الشعب. كانت شعبية الكتلة تتركز في دمشق ودرعا والقنيطرة والسويداء.

الحزب الوطني كان يهادن شوكت شقير، ويهادن حزب البعث، وينصب العداء للشهيد المالكي ويعتبره ماركسياً! وهنالك من يروي أن هذا العداء يصب في مجمله في خانة العداء أو الحقد بين عائلتي شكري القوتلي ومحمد شمس الدين المالكي، منشأ هذا العداء لم يكن عقائدياً أو سياسياً بل شخصياً بسبب نزاع بينهما على ملكية قطعة أرض في الغوطة، كسبها لاحقاً شكري القوتلي بموجب حكم قضائي. لم تكن العلاقة على ما يرام بين القوتلي والمالكي، حتى عندما عاد شكري القوتلي من منفاه في أوائل شهر آب من عام 1954م، كان في استقباله في مطار دمشق العميد شوكت شقير رئيس الأركان في الجيش السوري على رأس وفد من كبار الضباط وقد امتنع العقيد المالكي عن المشاركة في ذلك الاستقبال!؟. 
كان الحزب الوطني بعيداً عن الجيش السوري. وعُرف عنه بأنه يمثل دمشق.

حزب البعث العربي الاشتراكي:

تأسس في دمشق، عام 1947م، اعتمد على العمال والفلاحين وابناء الأقليات الدينية كالعلويين والدروز والاسماعيليين ، وكانت علاقة الحزب بالجيش منظمة بشكل جيد، وهنالك العديد من الضباط ضمن صفوف الحزب، قيل إن الشهيد المالكي كان بعثياً، ولكن أغلب الظن إنه كان يتعاطف معه تارة، وتارة أخرى يبتعد عنه، في حين كان شقيقه رياض بعثياً. كان البعث في ذلك الوقت مؤيداً لبقاء العميد الدرزي شوكت الشقير رئيساً للأركان، على مبدأ (درء للمشاكل)، وكان هذا هو سبب توتر علاقة الشهيد مع حزب البعث. 

في حين يقول القومي السوري بشير الموصلي في تعليقه على الحلقة الثالثة من سلسلة "التاريخ إن حكى" على فضائية "" NBN في لقائها مع عصام المحايري: "اعتبرت المذيعة عدنان المالكي بعثياً في سياق سؤالها فصحح لها عصام المحايري بأن العقيد المالكي لم يكن بعثياً وإنما كان متعاطفاً مع البعث.

والحقيقة إن العقيد المالكي بعدما مرّ بفترة تعاطف مع البعث أثناء حكم أديب الشيشكلي 1949-1954انقلبت علاقته مع البعثيين عندما أصبح له موقع متقدم وصاحب نفوذ في الجيش والأركان العامة، فأصبح معهم على غير وفاق.

وإذا كان أكرم الحوراني مؤسس حزب البعث قد ألمح إلى هذه الحالة في مذكراته. فإن سامي جمعة أورد الوقائع والأسباب التي باعدت بين الطرفين وأهمها عدم ترشيح البعث لشقيقه رياض المالكي للانتخابات النيابية في أيلول 1954 ورشح بدلاً منه صلاح البيطار، بالإضافة لأحداث أخرى وأكد سامي أن المالكي كان قبيل اغتياله أقرب إلى القوميين منه إلى البعثيين الذين تحالفوا ضده مع شوكت شقير، ويذكر:"قال المالكي للضابط البعثي مصطفى حمدون "أنتم من عندكم أنا من عندي". وما تلا ذلك من فراق بين المالكي والبعثيين. علماً بأنه لم يكن في يوم من الأيام بعثياً".


أما النائب في مجلس النواب السوري خلال تلك الفترة عن قضاء طرطوس عبد اللطيف اليونس فيقول في مذكراته عن المالكي: "كانت أفكاره، وتطلعاته السياسية، تتلاقى مع حزب البعث العربي الاشتراكي"،

وأكرم الحوراني يذكر في مذكراته: "كل بعثي اشتراكي في سورية كان يعتبر أن المالكي شهيده وشهيد قضيته.." كان حزب البعث قد اشترك في جميع فروعه بالمظاهرات التي سارت احتجاجاً على الاغتيال واعتبر المالكي شهيداً من أكرم شهدائه"

ولكنه (الحوراني) يعود ليتحدث في مذكراته بإسهاب عن سبب خلاف المالكي مع البعث، ورياض المالكي شقيق الشهيد ذكر أن شقيقه لم يكن بعثياً اشتراكياً، ويقول نبيل شويري: "عدنان المالكي، وهو غير بعثي لكنه قريب من البعث".

الحزب الشيوعي: 
من أقدم الأحزاب السورية، وكان حزباً واحداً مع الحزب الشيوعي اللبناني، ومن ثم انفصل عنه، وهو حليف في خندق واحد مع حزب البعث في مقارعة الاستعمار والوقوف بوجه مخططات الغرب الاستعمارية ويمتاز بدقة تنظيمه سواء في المدن أو الأرياف. وفي عام 1954م انتخب خالد بكداش عضواً في المجلس البرلماني السوري بدعم ومساندة من حزب البعث، وكان بكداش أول شيوعي يحتل مقعداً نيابياً في أي بلد عربي، أما عناصر الحزب في الجيش السوري فهم قلة، وكان الحزب الشيوعي يدعم الشهيد المالكي.

الحزب السوري القومي الاجتماعي:
من الأحزاب القديمة في لبنان وسورية، أسسه أنطون سعادة في لبنان بتاريخ 16-11- 1932. عانى الحزب من النظام السياسي والطائفي المكرّس دستورياً في لبنان والانقلابات العسكرية في سورية مما أدى لاصطدامه على الدوام مع الطبقات السياسية الطائفية في لبنان والحكم العسكري في سورية. 

يعتبر الحزب أن "السوريين أمة تامة" وأن "القضية السورية قضية قومية قائمة بنفسها ومستقلة عن أية قضية أخرى" أهداف الحزب الأساسية تتمثل في النهوض بسورية الطبيعية بكل المجالات وتوحيدها لأنها تشكل وحدة جغرافية واحدة لها اسم تاريخي هو الهلال الخصيب وتشير عقيدة الحزب السوري القومي الاجتماعي إلى أن العراق والكويت والأحواز والشام (الجمهورية العربية السورية) ولبنان والأردن وفلسطين وأطراف جغرافية طبيعية سيناء وقبرص وكيليكيا وهضبة عينتاب هي وحدة جغرافية واحدة تضم أمة واحدة فُرِّقت". 

شاركت فصائل مسلحة للحزب في فلسطين في الثورات المتتالية حتى حرب 1948 ضد إنشاء الكيان الصهيوني، وكان الحزب من أشد التنظيمات قوة وفاعلية في الجيش السوري، الحزب لم يكن على وفاق مع الشهيد المالكي بل كان يعاديه، وكان حينها المقدم العلوي غسان جديد، عميد الدفاع في الحزب السوري، رأس الحربة في العداء للشهيد،

ويذكر اللواء راشد كيلاني في مذكراته: "دخل (الحزب القومي السوري) في صراع مرير مع عدنان المالكي، بسبب تسابقه مع حزب البعث للسيطرة على مقدرات الجيش. وقيل إن المالكي قد بدأ يستأصل، قبل مصرعه العناصر العسكرية الموالية للحزب القومي السوري، وينسق خلاياه الحزبية الموجودة في الجيش، والتي قُدرت قوتها بثلاثين ضابطاً، ومئة صف ضابط". 

اتهم الحزب السوري القومي الاجتماعي على عجل بجريمة اغتيال العقيد الشهيد عدنان المالكي، وعمّت المظاهرات دمشق وباقي المحافظات السورية وفي المظاهرة الطلابية الكبرى، التي شهدتها دمشق يوم 24-4-1955 رُفعت الشعارات ضد الحزب السوري القومي،

ما خرجت الصحف الدمشقية تدين هذا الحزب وحملت على صفحاتها الأولى عناوين: "يسقط السوريون القوميون عملاء الصهيونية والاستعمار، طهّروا الدولة والجيش من عصابة السوريين القوميين" (صحيفة الرأي العام الصادرة في 23 نيسان 1955). 
"إن تغاضي الحكومة عن أعمال السوريين القوميين طوال الحقبة الماضية قد جعل الشعب في إشفاق من عبثهم بأرواح الوطنيين المخلصين" "ليس من الديمقراطية في شيء سكوت الحكومة عن هذه العصابة المتآمرة".

وبعد قرابة الستين عاماً يعلن عصام المحايري، أحد قادة الحزب السوري القومي التقليدين- رئيس المكتب السياسي للحزب في سورية، وأحد المتهمين في الضلوع بالجريمة آنذاك براءة الحزب من هذه الجريمة، وذلك من خلال مؤتمر صحفي عقده بدمشق يوم 11 آذار عام 2003 حيث قال: (إن الحزب السوري القومي الاجتماعي بريء من جريمة مقتل عدنان المالكي، مما يعني أن هذا الملف لم يعد قائماً بالنسبة للحزب، فالحزب بريء بقرار من المحكمة العسكرية التي شكلت في حينه خصيصاً لمحاكمة الحزب والتي كانت تستهدف في البداية الحزب، لكنها لم تستطع إدانته، حيث اضطرت إلى إعلان براءته). 


الإخوان المسلمون:

جماعة (حركة أو حزب) الإخوان المسلمين في سورية تأسست في ثلاثينيات القرن العشرين, على إنها جزء من جماعة الإخوان المسلمين في العالم التي أسسها حسن البنا في مصر عام 1928. وكان أول مراقب (أمين عام) لها في سورية مصطفى السباعي بين عامي 1945 و1964 ، كانوا ينتهجون الخط نفسه الذي ارتضاه حزب الشعب ويحاربون حزب البعث العربي الاشتراكي والحزب الشيوعي بضراوة, كما كانوا يحاربون العقيد المالكي، ويؤيدون شوكت شقير, ولم يكن لهم أي نشاط في الجيش السوري. 


هذه لمحة مبسطة عن الأحزاب السياسية الفعالة على الساحة السياسية السورية في ذاك الوقت، وموقفها من الشهيد عدنان المالكي.

لم تكن الأحزاب السياسية هي وحدها عين رقيب على المالكي، وتتابعه وتناصبه العداء، إنما كان هنالك سفارات عربية وأجنبية وضباط في خانة تلك الأحزاب، وكانت سفارتا الولايات المتحدة والمصرية هم الأكثر تعقباً للشهيد، وقيل إن لهاتين السفارتين دور في اغتيال المالكي (كما سيمرّ معنا لاحقاً)، علماً بأن جمال حماد الملحق العسكري في السفارة المصرية بدمشق كان شاهداً على عملية الاغتيال.

كان العقيد المالكي قد تورط في الانقلابات العسكرية التي شهدتها سورية فشارك بانقلاب حسني الزعيم على شكري القوتلي ويعزون ذلك للخلاف العائلي الذي كان بين العائلتين (أو الحقد الذي ورثه عدنان المالكي من والده على شكري القوتلي بسبب النزاع على ملكية الأراضي في الغوطة)، وفي أواخر عهد أديب الشيشكلي، قام العقيد المالكي بتنظيم تكتل عسكري في الجيش من الضباط الشوام، ومن البعثيين والشيوعيين واليساريين المتطرفين، وهذا مما زاد حدة الصراع مع العقيد شقير، فعمل كل من المالكي وشقير، كل (لغاية في نفس يعقوب)، على استقطاب أكبر عدد من الضباط الموالين لهما.

منذ ذلك الحين والمالكي في حرب ضروس مع العميد شوكت شقير، حتى أنه اقترح إعفاء شقير من رئاسة الأركان، وتعيين بدلاً منه العميد الأرمني آرام كرامانوكيان آمر سلاح المدفعية آنذاك، أو العقيدالدرزي أمين أبو عساف،

ويروي ضابط المخابرات السوري سامي جمعة، أن العميد الدرزي شوكت شقير ذكر له أنه يخوض معركة شرسة مع العقيد عدنان المالكي وأن المالكي رجل مجنون فهو يعمل كتلةً لقلب نظام الحكم وإقامة حكم شيوعي ماركسي وهو أخطر على الوضع في البلاد من العقيد الشيعي محمد صفا و المقدم العلوي غسان جديد، وأن المالكي أراد تعيين الأرمني العميد كرامانوكيان قائد المدفعية رئيساً للأركان عوضاً عني (عن شقير)، في حين يقول الضابط محمد سهيل العشي في مذكراته: "كان عدنان المالكي أشدّ الضباط عداءً للزعيم شوكت شقير".

كما كان العقيد المالكي على خلاف مع المقدم العلوي غسان جديد، ، أقدم جديد في حمص وفي فوجه على تجميع عناصر تدين لشخصه (( تكتل الضباط العلويين)) وكان بنفس الوقت منتمياً إلى الحزب القومي السوري ورئيس جناحه العسكري. وعندما بلغ هذا الخبر عدنان قام بنقل غسان إلى دمشق ناظراً للموقع. ولم يطل الأمر حتى تم تسريحه وذهب إلى لبنان قبل مقتل المالكي، ولقي هنالك حتفه بعده رصاصات على خلفية قضية اغتيال المالكي!" ويذكر اللواء راشد كيلاني في مذكراته: "قيل إنه كان يعادي "المقدم غسان جديد" ركيزة السوريين القوميين في الجيش".

كان المالكي أيضاً على خلاف مع أكرم الحوراني أحد مؤسسي حزب البعث ، سببه وقوف الحوراني ضد ترشيح شقيقه رياض المالكي للانتخابات النيابية عام 1954م، وهذا ما أثار العقيد عدنان، فقد كلف أكرم الحوراني النقيب بشير صادق إبلاغ البعثيين مدنيين وعسكريين وجوب مهاجمة العقيد المالكي في المحافل والمناسبات كافة وإفشال مخططاته ومساعيه والتبرؤ منه ونفي أية علاقة له بحزب البعث العربي الاشتراكي.

من طريف ما نُقل عن أكرم الحوراني قوله عندما بلغه مقتل المالكي: "مليح يللي قتلوه وإلاّ كنا بدنا نتدابح معه".

الضابط السوري العقيد العلوي محمد معروف يدلي بدلوه في إبداء الرأي بالعداء بين المالكي وشقير فيقول: (كان عدنان المالكي منذ أن تسلم الشعبة الثالثة بعد ذهاب الشيشكلي قد ناصب العداء كلاً من الزعيم شوكت شقير، رئيس الأركان، والمقدم عبد الحميد السراج، رئيس الشعبة الثانية، وعمل لإزاحتهما، وحمّلهما الكثير من التبعات التي حصلت أثناء حكم الشيشكلي. ولولا مساندة العقيد أبو عساف لشقير – وكان له كلمة نافذة في الجيش– كما كانت تجمعهما بعض الروابط الاجتماعية، ولولا بعض رفاق السرّاج من حماة – عسكريين ومدنيين– لكان عدنان المالكي أبعدهما منذ اليوم الأول لعودته إلى الجيش، وهما كانا يعلمان بذلك.)

مشمار هايردن

تأخرت اتفاقية الهدنة (1948) بين سورية وإسرائيل عن سائر الاتفاقيات لأن القوات السورية كانت قد احتلت مستعمرة "مشمار هايردن" وهي واقعة في أرض فلسطين المخصصة لليهود بموجب قرار التقسيم وأصرت السلطات الإسرائيلية على انسحاب القوات السورية منها لتكون الحدود الدولية بين فلسطين وسورية هي حدود الهدنة وتمسّك السوريون بها، وأخيراً جعل خط الهدنة منتصف خط القتال وأخلى السوريون "مشمار هايردن" كما أخلى اليهود بعض المواقع وجُعلت بينهما منطقة عازلة تحت إشراف المراقبة الدولية لا تدخلها قوى عسكرية سورية أو إسرائيلية ووقعت الاتفاقية في 20 حزيران 1949.

مشمار هايردن "mishmar hayarden" وهي كلمة عبرية تعني "حارس الأردن" وهي الاسم العبري لقرية فلسطينية اسمها "كعوش" ومع الأسف اشتهرت باسمها العبري حتى في الوثائق العربية!؟.

شهدت كعوش "مشمار هايردن" أشرس المعارك التي قادها الجيش السوري بقيادة الشهيد عدنان المالكي في حرب عام 1948، وأصيب المالكي في هذه المعركة بجرح بليغ في مؤخرة رأسه بعد إصابة غادرة بنيران العدو.

يسجل تاريخ حرب 1948 أن الجيش السوري قدّم في معركة "مشمار هايردن" أكثر من سبعين شهيداً، وكانت من الصفحات الناصعة في سجل المعارك التي خاضتها الجيوش العربية على كل الجبهات. وهنا لا بد من الإشارة إلى اللحظات الأولى لوداع عدنان المالكي والديه وإخوته حين أراد الالتحاق بجبهة القتال "كان المشهد رائعاً، مشهد الأب الذي يشجع ولده على خوض المعركة بثبات وشجاعة، كما يمليه علية الواجب الوطني وشرف السلاح واللباس العسكري، محذراً من التراجع أو الانسحاب أمام هجمات اليهود الغادرة، متوعداً إياه بأنه سيتبرأ منه إن عاد إليه منكسراً، واضعا إياه أمام اختيار صعب ولكنه حلو في الحالتين، الشهادة في سبيل الوطن أو النصر على الأعداء المجرمين. فكان جواب الابن البار : "لبيك، يا أبتاه.. سأسير على الدرب الذي رسمته لي، ولن أكون إلا باراً بهذا الوطن الذي أعطاني الحياة، وبهذا البيت الذي رضعت فيه الإخلاص مع اللبن- رياض المالكي"

أما مشهد وداع الأم لولدها فكان الأكثر روعة "مشهد الأم الرؤوم، وهي تلمس جبين ولدها بكفها، موقظة إياه بلطف وحنان، وتناوله سلاحه بيدها الأخرى، منادية إياه: "هيا يا عدنان، حان الوقت، حي على الجهاد".

في السادس من حزيران قامت قوة سورية بهجومها الأول على مستعمرة: مشمار هاريدن" وبعد معارك مريرة مع العدو الإسرائيلي استمرت عدة أيام، استطاعت القوات السورية بقيادة المالكي من السيطرة على هذه "المستعمرة" وذلك يوم 9 حزيران عام 1948، واصلت هذه القوات العسكرية السورية زحفها إلى ما يسمى "روشبينا" و"هاشاهار" وسيطرت عليها، وعزم الجنود السوريون الاستمرار في معاركهم ضد العدو: "يريدون التقدم لولا أن حل موعد الهدنة الأولى "11 حزيران - 10 تموز 1948" كان السوريون مسيطرين على المستعمرات المذكورة إلى أن بدأت مفاوضات الهدنة مع الأعداء – كتاب مقاتل من الصحراء".

يصف المقدم الركن أمين نفوري هذه المعركة فيقول: (... في الساعة الثامنة عشرة وفد الوسيط الدولي "برنادوت" مخترقاً حقل الأشواك الممتد أمام "تل المالكي" وذاهباً إلى المنطقة اليهودية فلما رأى جثث اليهود الكثيرة المتناثرة بين الأشواك صاح بالفرنسية "إنها المجزرة" نعم كانت مجزرة رهيبة لليهود الذين حاولوا استعادة التل من الرئيس مالكي الذي كان يدافع بضراوة المحارب الذي يعرف أن شرف جيشه وأمته رهن باستماتته في الدفاع، فكان ثابتاً في موضعه كالطود الراسخ ومتشبثاً بعنف الأرض التي يتقرر فوقها مصير الجيش والأمة. هذه المعركة الكبيرة معركة الجيش السوري بأكمله بل معركة سورية العربية إلى الغرب من بحيرة طبريا وعلى الضفة الغربية من الأردن قد ربحها الرئيس عدنان المالكي في الحادي عشر من شهر حزيران عام 1948 كما انتصر معاذ بن جبل وضرار بن الأزور وذو الكلاع وغيرهم من صناديد العرب في معركة "الواقوصة" قبل نيّف وثلاثة عشر قرناً إلى الشرق من بحيرة طبريا وعلى الضفة الشرقية من اليرموك.).

هنالك عدة روايات يتناقلها المقربون من الشهيد المالكي تشير أن هنالك شيئاً ما يحضر للشهيد المالكي، منها الدور الذي كانت تقوم به زوجة الملحق العسكري الأميركي لدى سفارة الولايات المتحدة بدمشق السيدة "ستيفنسن" والاهتمام الخاص بعدنان المالكي وزوجته!!

فهل كان العقيد المالكي يدري بأن هنالك شيئاً ما يخطط له:

يروي الضابط عبد الكريم النحلاوي ((ملازم أول- - نفذ انقلاب الانفصال 1961))، أن آخر تهديد بالقتل تلقاه المالكي قبل ساعتين من جريمة الاغتيال! فيقول:(قبل اغتياله بساعتين، كنا نحن يوم الجمعة نحضر في القيادة شوكت شقير رئيس الأركان وعدنان المالكي وأنا كمرافق كنت لرئيس الأركان، قبل بساعتين بالضبط تماماً-كان مكتب المرحوم المالكي مقابل مكتبي أنا- بيدخل لعندي من أجل أن يدخل للزعيم شوكت شقير وبيناولني رسالة وردته كانت من منطقة اللاذقية تقول فيها بأنه تطلب من عدنان المالكي أن يحتاط لنفسه لأن هناك مؤامرة لاغتياله، قبل ساعتين، قال لي خذ شوف، بقى هو جريء وبيتكلم بوضوح، قال لي خذ اقرأ، أخذت الرسالة وقرأتها لقيت صحيح على إنه كان مهدداً بالاغتيال، من مخبر مخلص، مكتوب التوقيع مخبر مخلص، انتبه لنفسك هناك مؤامرة لاغتيالك.. قلت له "لعدنان المالكي" والله لازم تضع حراسة على نفسك هيك ما بيجوز، قال لي الله بيحمينا.)

في صباح يوم الخميس في 21 نيسان عام 1955م، تلقى المالكي اتصالاً هاتفياً من السفير المصري بدمشق محمود رياض، يطلب منه حضور مباراة كرة القدم بين فريق السواحل المصري وفريق الجيش السوري التي ستقام في اليوم التالي (الجمعة22 نيسان 1955) على أرض الملعب البلدي، فاعتذر المالكي بسبب سفره إلى مدينة صيدا لملاقاة خطيبته حيث سيقضي هنالك إجازة نهاية الأسبوع، ولكن نتيجة إلحاح السفير المصري اعتذر المالكي من خطيبته ولبّى دعوة السفير المصري!؟

يحفل التاريخ السياسي منذ القديم بالعديد من القصص والحكايا حول دور المرأة في الكثير من الاغتيالات السياسية، فهل التخطيط والتنفيذ لاغتيال عدنان المالكي لعبت به أصابع المرأة؟؟

الشهيد عدنان المالكي كان يجتمع مع الملحق العسكري الأميركي لدى سفارة الولايات المتحدة "ستيفنسن" وزوجته بدمشق في كثير من الحفلات العامة والخاصة، وكانا يحاولان إقناعه بسياسة الحكومة الأميركية، ويطلبان منه مغادرة البلاد لأن هنالك خطراً على حياته، وقبل أيام قلائل من جريمة الاغتيال أعلمت زوجة الملحق العسكري الأميركي السيدة "ستيفنسن" والتي كانت تحوم حولها شبهات أخلاقية، وكانت تبدي اهتماماً خاصاً بعدنان المالكي، أعلمته بشكل نصح رقيق، أن هناك خطراً يحدق بحياته، وهناك مؤامرة خطيرة تخشى عليه أن يذهب ضحيتها وكررت عليه النصح بالموافقة على السفر إلى أميركا قائلة له إن لنا أصدقاء وأقرباء سيكرمونك أنت وزوجتك هناك، ونشرت صحيفة الرأي العام الدمشقية حديث "ستيفنسن" هذا وكان من جراء ذلك مغادرتها دمشق خلال 24 ساعة من نشر الخبر!؟

ويروي المحامي والنائب في البرلمان السوري رياض المالكي وهو شقيق الشهيد حول السيدة "ستيفنسن" بقوله: (كان يجتمع "عدنان المالكي" مع الملحق العسكري الأمريكي وزوجته في كثير من الحفلات العامة، وكانا يحاولان إقناع أخي بسياسة الحكومة الأمريكية، وكان أخي دوماً صريحاً كعادته. وقد بلغ من اهتمام السيدة زوجة الملحق العسكري الأمريكي بأخي حداً أنها كانت تبدي من الاهتمام بشؤونه الخاصة كالزواج مثلاً أكثر مما يبدي هو نفسه، وقد دعته في إحدى المرات لزيارتها وزوجها في منزلهما للتعرف إلى خطيبته، وعندما لبّى وخطيبته هذه الدعوة، راحت زوجة الملحق العسكري تلحّ على خطيبة أخي بضرورة مغادرة البلاد إلى إحدى المفوضيات السورية بأن يعيَّن أخي ملحقاً عسكرياً فيها.
وكانت زوجة الملحق تتذرع بأن الجو في البلاد محموم، وبأن من مصلحة أخي أن يغادر البلاد، وقد سمع أخي هذا الحديث، وهو نفس الحديث الذي سمعه أخي من زوجة الملحق قبلاً، فعلَّق عليه مداعباً، وقال لخطيبته: "أترين كيف أنهم يريدون الخلاص مني بإبعادي عن جيشي وشعبي ووطني؟).


وجواباً لسؤال رئيس المحكمة العسكرية لشقيق الشهيد:

هل سمعت أن أخاك أدلى بمثل هذه المعلومات إلى سواك؟ يقول رياض: "نعم... بعد الحادث بأيام أشارت جريدة "الرأي العام" إلى خبر الحديث الذي دار بين أخي وزوجة الملحق العسكري بعد أيام من القتل، وقد أدّى هذا النشر إلى نقل الملحق العسكري وزوجته خلال أربع وعشرين ساعة من نشر هذا الخبر إلى خارج البلاد."

وثم يقول رئيس المحكمة العسكرية: "هذا سؤال عائلي وأنت مخيَّر في أن تجيب أو لا تجيب عليه: هل جرّب الملحق العسكري ستيفنسون وزوجته مع أخيك ليتزوج فتاة أو يخطبها غير خطيبته؟" فيرد رياض: "كنت سمعت من أخي أن زوجة الملحق العسكري التي كانت تهتم "كما قلت" بزواج أخي أكثر من اهتمامه، كانت تدلّه في بعض الأحيان على بعض الفتيات الشاميّات ممن لهن صلات معروفة مع الأوساط الأمريكية.).

وأيضاً طرح أمر الملحق العسكري ستيفنسن وزوجته في شهادة المتهم أحمد الفتيح أمين المعارف،(حين شهد بأن شقيق الفقيد الأستاذ رياض المالكي ذكر له بأن الفقيد كان موضع تهديد منذ زمن بعيد حتى أن زوجة الملحق العسكري الأمريكي أنبأته بنية اغتياله وحذرته ورجته مغادرة البلاد كملحق عسكري حفاظاً على حياته. وما وصل الأستاذ الفتيح إلى كلامه هذا حتى جمد الدم في عروق المتهمين ووكلائهم، وبعد الاستراحة تبيّن أن الفقيد كان قد أسرَّ بهذا الحديث في حينه إلى كبار الشخصيات العسكرية والمدنية وأنهم على استعداد للإدلاء بشهاداتهم.)،

ما أدلى الشاهد الرئيس يوسف يازجي بإفادات أمام المحكمة، بأن الشهيد كان يطلعنا على التهديدات المبطنة من الملحق العسكري الأميركي. وتابع بالقول، وصرح لنا "المالكي" مراراً بأنه بعد إفلاس الانقلابات ستكون الاغتيالات الفردية وأول شخص سيغتالونه هو أنا. ويقول يازجي، وسمعت الحديث مع عدد من الضباط أذكر منهم، الرئيس برهان قصاب حسن والرئيس إبراهيم سليم إبراهيم. وأفاد المقدم زهير الصلح أمام المحكمة، بأن الفقيد قال للملحق العسكري الأميركي "إذن فأنتم تريدون اغتيالي لتنفيذ مآربكم هنا، إنكم مخطئون جداً لأني لست الوحيد الذي يقف حجر عثرة في طريقكم. وإذا أردتم تنفيذ مشاريعكم باغتيالي فيجب عليكم أن تغتالوا الجيش السوري بكامله).

وتبقى التساؤلات قائمة حول هذه المرأة "ستيفنسون" ولماذا هذه الغيرة التي أظهرتها للشهيد؟ هل كان لزوجة الملحق العسكري السيد "ستيفنسن" وزوجته دوراً في قضية اغتيال عدنان المالكي؟ وهل كانت السيدة "ستيفنسن" على علاقة بأشخاص آخرين في وسط المجتمع الدمشقي؟ وخاصة أن الشبهات اللاخلاقية تحوم حولها؟؟ ولماذا طلب من الملحق العسكري وزوجته مغادرة دمشق فوراً حين نشرت صحيفة "الرأي العام" خبر نصح السيدة "ستيفنسن" للشهيد بمغادرة البلاد بسبب مؤامرة تحاك ضده؟؟

كما يروي أفراد من عائلة المالكي أن هنالك امرأة حسناء عشقت الشهيد حين كان في فرنسا، ولكنه رفضها؟ فهل أتت هذه المرأة الفرنسية مصادفة؟ أم بفعل فاعل؟ وزوجة المتهم الفار عبد الكريم الشيخ شهدت بأن المستر سنوك رئيس مكتب المعلومات الأميركي اجتمع مع زوجها قبل شهر واحد من جريمة الاغتيال. وأيضاً كانت المرأة في قفص الاتهام في جريمة المالكي، فإضافة لزوجة أنطون سعادة جولييت المير، كان هنالك تريز بلدي، ماري سلوم، خالدة صالح.

أقيمت المباراة في الوقت المحدد لها على أرض الملعب البلدي يوم الثاني والعشرين من نيسان عام 1955 تحت رعاية رئيس الأركان العامة للجيش السوري العميد شوكت شقير، ولم تكد تبدأ المباراة وفي تمام الساعة الثانية والنصف عصر ذلك اليوم المصادف قبل شهر رمضان بيوم واحد حتى سُمع دوي ثلاث رصاصات متتالية تبعها صوت رصاصة واحدة، على المنصة الرئيسية في الملعب البلدي لكبار المسؤولين في الجيش السوري والدبلوماسيين المصريين!

قط على إثر الرصاصات الثلاث الشهيد عدنان المالكي، وعلى إثر الرصاصة الرابعة سقط القاتل! هذه الجريمة اعتبرت واحدة من أكبر المؤامرات على سورية وأعقد قصص الاغتيالات السورية!؟ والتي قيل إن خفاياها تشكل لغزاً عند السوريين إلى الآن، ولم نزل نعاني من تداعياتها حتى يومنا هذا!!؟؟ 

الرصاصات الثلاث التي أطلقها من مسدسه أحد الرقباء في الشرطة العسكرية السورية من المكلفين بحماية المنصة "كما أقرت المحكمة"!؟ ويدعى يونس عبد الرحيم (( علوي - ريف اللاذقية)) من أعضاء الحزب السوري القومي، أردت العقيد الركن عدنان المالكي مضرجاً بدمائه، والرصاصة الرابعة قتلت الرقيب يونس عبد الرحيم، وقيل إنه انتحر مباشرة بعد اغتياله المالكي وقيل غير ذلك "ولنا حديث لاحق حول القاتل أو الشهيد كما يطلق عليه بعضهم". رصاصات الرقيب عبد الرحيم أوقعت البلاد السورية في كارثة مريعة لم يكن يعرف أحد مدى خطورتها!!.. 

كان هذا الاغتيال نقطة تحول هامة في تاريخ سورية السياسي الحديث، وكان وبالاً على الحزب السوري القومي من تشريد ونفي واعتقال وشنق.


اتهم الرقيب الأول في الشرطة العسكرية يونس عبد الرحيم (( علوي- ريف اللاذقية)) بأنه أطلق الرصاصات الثلاث التي قضت على المالكي. وعبد الرحيم هو من منطقة صافيتا وعضو في الحزب السوري القومي الاجتماعي،

شاب نحيل البنية " في الثلاثين من عمره حنطي اللون حليق اللحية والشارب، أسود شعر الرأس، طوله نحو 165 سم، له نوعية خاصة من التفكير، انطوائي، يعيش بعيداً عن أهله، كان قد خطب فتاة في عام 1954م وينوي الزواج منها في ربيع عام 1955،

ويصفه ويصف طباعه شقيقه "حسن" الطالب في الجامعة السورية آنذاك، والذي اعتقل وسجن منذ اليوم الأول للجريمة، وقُدم إلى المحكمة كشاهد بدون مذكرة توقيف!؟

فيقول: (منذ 8 – 9 سنوات ما زارنا "يونس" إلا 3 أو 4 مرات وهو منقطع على نفسه.. وإذا ما تجلت له حقيقة آمن بها ولا يخونها مطلقاً.. أخي مثلاً كان عسكريا يطبق القانون العسكري على حياته نفسه، فهو ما لبس الصباط "الحذاء" المدني بل "البوط " وكان يغسل ثيابه بيده لأن الأوامر العسكرية تقضي بذلك).

والغريب أن حسن عبد الرحيم شقيق القاتل وهو ناشط في الحزب السوري قومي، يشير في شهادته أمام المحكمة أن شقيقه "يونس" غير منتسب إلى الحزب القومي السوري إنما: (أعلم أنه كان يقرأ أفكار الحزب ويؤيد بعض المبادئ ولكني لا أعرف أنه أقسم اليمين... ألقي القبض علي باعتبار أني قومي.. وبالطريق قالوا لي إن جماعة بالحزب القومي قتلوا أخي حتى لا يفشي أسرار الحزب وإنهم جاؤوا بي لرؤية جثته) 

ويتابع في شرح ما معنى أن شقيقه يقرأ أفكار الحزب السوري القومي: (أي إنه كان مخلصاً لوطنه كل الإخلاص، يؤمن بمبادئ الحزب من إنه ليس عشائرياً ولا طائفياً... وإنه كان يقرأ لجورج حنا "شيوعي" ويحبه مع أنه يناقض مبادئ الحزب)

وينفي بشكل غير مباشر أن يكون شقيقه يونس القاتل، حين يدور الحوار التالي بينه وبين المحامي عبد الفتاح الزلط: (زلط: إذا تبيّن لك أن القتل من تدبير الحزب فما رأيك. حسن: ما بقدر "لا يستطيع" رأي يخل بالواقع. زلط: إذا ثبت. حسن: أخالف ما يثبت..)،


كان يونس عبد الرحيم قبل حادثة الاغتيال مرشحاً للسفر في بعثة عسكرية إلى إنكلترا، ولكن لم يتم له ذلك ويعزو ذلك بقوله لأصدقائه وأهله، إن السفر يحتاج إلى واسطة!؟.

( في هذا اليوم الجمعة الثاني والعشرين من شهر نيسان عام ألف وتسعمئة وخمس وخمسين- نحن الرائد محمد الجراح معاون النائب العام العسكري بدمشق، بناء على الإخبار الهاتفي من قبل الشرطة العسكرية بوقوع اعتداء في الملعب البلدي فقد أسرعت من التلّ ووصلت المستشفى العسكري في الساعة الثامنة عشرة والخمس دقائق.

وقد علمت أن المصاب العقيد عدنان المالكي موجود في غرفة التشريح. ولدى وصولي إلى هناك وجدت العقيد ممددًا على سرير، بل نقالة الإسعاف وهو شاب فوق الثلاثين من العمر يبلغ الخامسة والثلاثين طويل القامة. أبيض اللون. حليق اللحية والشارب ملطخ وجهه بالدماء وكذلك عنقه وعلى كتفه. وقد لوحظ في أعلى العظم الفقري على خط يوازي النائي الخشائي مدخل جرح بقطر سبعة مليمتر تقريبًا وهذا الجرح غير نافذ من الجهة الثانية ولوحظ على عينه اليمنى انتفاخ بلون أزرق شمل الجفن السفلي الأيمن. وكما لوحظ وجود مدخل جرح آخر في الكتف اليسرى عند التقائه مع أسفل العنق. وفوهة خروج بهذا الجرح في أسفل العنق الأيسر من أعلى الصدر بقطر ثمانية مليمترات تقريبًا وقطر المدخل سبعة مليمترات تقريبًا. والعقيد يلبس كلسون أبيض من نسيج الكتان.

ليس في جسمه آثار خلاف ما ذكر والشرشف الذي كان ملفوفًا فيه ملوث بالدماء تحت كتفيه. وقد كلف بكتابة هذا الضبط العريف أحمد حاضري رقم 62589 من فوج الشرطة العسكرية.

ومن أجل بيان أسباب الوفاة كلف الطبيب الشرعي العسكري المرشح متين طباخ لإجراء الكشف وبيان أسباب الوفاة بعد تحليفه اليمين القانونية المنصوص عليها في الملحق 41 من الأصول الجزائي. وقد قال لدى الاطلاع على جثة العقيد عدنان المالكي المعرف عنها بواسطة العريف أحمد حاضري والرقيب علي مرشاق. تبين أنها لشخص طويل القامة حليق اللحية والشارب أبيض اللون أشقر شعر الرأس تقريبًا. 

وفي الرأس على العظم الفقري وعلى خط يوازي النائي الخشائي فوهة دخول الرصاص غير نافذ قطر الفوهة نحو سبعة مليمترات. وعلى العين اليمنى انتفاخ أزرق يشمل الجفن الأسفل منها أيضًا. وكما أن آخر الكتف الأيسر عند التقائه مع أسفل العنق من الخلف مدخل رصاصة أي مرمى ناري بقطر سبعة مليمترات. وفوهة خروج بهذا المرمى واقعة في أسفل العنق من الأمام عند أعلى الصدر من الجهة اليسرى بقطر ثمانية مليمترات. فوهة الخروج مستديرة كفوهة الدخول.

وقال الطبيب الشرعي بأنه سيقدم تقريرًا على حدة يبين فيه أسباب الوفاة وقد أنهى الكشف وختم في الساعة الثانية عشرة والنصف في المستشفى العسكري بحضور الطبيب الشرعي المرشح متين طباخ وطبيب المستشفى الرئيس الأول محمد حسن السعدي والرقيب الشرطي علي مرشاق وقد وقع على هذا الضبط من قبلهم.

دمشق في 22/4/1955


كاتب الضبط الرقيب علي مرشاق طبيب المستشفى الطبيب الشرعي العسكري معاون النائب العام العسكري).

يلاحظ قدوم الرائد محمد الجراح نائب النائب العام العسكري من منطقة "التلّ - ريف دمشق " للكشف على جثة المالكي، في حين كان قاضي التحقيق العسكري صلاح يوسف آغا موجودًا في مقر الشرطة العسكرية قريبًا من المستشفى العسكري.

كما نلاحظ إنه ورد في المحضر "وجد في جثة المالكي مدخلين لطلقتين من عيار7 ملم، بينما ورد في تقرير الكشف عن مكان الجريمة: "الملازم عبد المجيد جمال الدين من مرتبات الشرطة العسكرية، قدم المسدّس الذي أقدم الرقيب أول يونس عبد الرحيم على قتل العقيد عدنان المالكي به ومن ثم استعمله لانتحاره، هو مسدّس من نوع قراقلا صنع تركيا عيار 9 ملم". 

ونلاحظ إنه تم تكليف طبيب شرعي للكشف على جثة المالكي، طبيبًا يؤدي الخدمة العسكرية وبرتبة مرشح (( أعلى رتبة لضباط الصف )) !!! ولم يكلف طبيبٌ شرعي من العاملين في الجيش!!

وفي نفس اليوم 22 نيسان قام الرئيس محمد الجراح معاون النائب العام العسكري بالكشف على جثة المتهم بقتل المالكي يونس عبد الرحيم، وكتب الطبيب علي مرشاق محضر الكشف على جثة يونس عبد الرحيم رقم " 5"،

هذا نصه: (اليوم الجمعة في 22/4/1955 نحن الرئيس محمد الجراح معاون النائب العام العسكري بدمشق بناء على الإخبار الهاتفي من قبل الشرطة العسكرية بوقوع اعتداء في الملعب البلدي وقد أسرعت من التلّ ووصلت المستشفى العسكري في الساعة الثامنة عشرة والخمسة دقائق وقد علمت من المستشفى بوقوع الاعتداء على العقيد عدنان المالكي وانتحار المعتدي الرقيب الأول يونس عبد الرحيم من فوج الشرطة العسكرية.

بعد إجراء الكشف على جثة العقيد، باشرنا الكشف على جثة الرقيب الأول يونس عبد الرحيم التي جرى التعرّف عليها بواسطة العريف أحمد حضري والرقيب علي مرشاق من فوج الشرطة العسكرية وهي جثة لشخص في الثلاثين من عمره حنطي اللون حليق اللحية والشارب طوله نحو المائة والخمسة وستين سم على ساق رجليه شعر أسود. أسود شعر الرأس، وجهه ملطخ بالدماء والدم لا يزال ينزف من أذنه اليسرى وفخذيه ملطخين بالدماء أيضاً وكذلك ساعداه وكفا يديه وقد شوهد مدخل جرح لمرمى ناري فوق أذنه اليمنى بسنتمترين تقريبًا بشكل نجمة ثلاثية مشرشرة بأبعاد ثلاثة سنتمترات طولا بسنتمترين عرضًا وشوهد لها فوهة خروج في أعلى رأسه الأيسر وقد حلق حولها بموس حلاقة وقطر الفوهة نحو ثلاثة سنتمتر بشكل مستطيل.

وقد قام بكتابة الضبط في هذا الكشف العريف أحمد حاضري من فوج الشرطة العسكرية


وقد كلف - الطبيب الشرعي العسكري المرشح (( المساعد)) متين طباخ لمعاينة الجثة وبيان أسباب الوفاة ولدى مشاهدته للجثة قال إنها جثة لشخص معتدل الطول إلى القصر في نحو الثلاثين من عمره أسود شعر الرأس حليق اللحية والشارب. ساقا رجليه مكسوين بشعر أسود وقد شوهد مدخل مرمى ناري بشكل نجمة ثلاثية قطرها ثلاث سنتمترات في اثنين سنتمتر ولهذه الفوهة فوهة خروج في أعلى الرأس من الجهة اليسرى قد حلق حولها وهي بشكل مستطيل بطول ثلاث سنتمترات وقد شوهد آثار تلطيخ الدماء على وجه الجثة وصدرها وفخذيها وساعديها وكفيها

وقد قال الطبيب الشرعي بأنه سيعدّ تقريرًا على حدة يبين أسباب الوفاة وقد ختم هذا الضبط في الساعة التاسعة عشر من هذا اليوم بحضور الطبيب الشرعي العسكري وطبيب المستشفى العسكري والرقيب علي مرشاق الذين وقعوا عليه.

دمشق في 22/4/1955
كاتب الضبط الرقيب علي مرشاق طبيب المستشفى).


ملاحظات:

نلاحظ في محضر الكشف على جثة الرقيب أول يونس عبد الرحيم، أن الدم كان ما يزال ينزف من أذنه اليسرى، وهذا قد يعني طبيًا أن الرقيب يونس عبد الرحيم قد وصل إلى المستشفى حيًا، وهذا يعزز شهادة الصحفي هاني الشمعة التي سترد لاحقا !!

كما نلاحظ أن الوصف تضمن: "أن ساقيه مكسوة بشعر أسود وملطختين بالدماء" ولم يذكر أسباب تلطخ الساقين بالدماء!!


يختصر المسؤول الحزبي السوري القومي عبد القادر العبيد شهادته بقوله: (يونس عبد الرحيم لم يقتل ولم ينتحر، وإنما وقع القتل عليه)

وفي التفاصيل، فإن يونس "حسب رأي العبيد" ليس قاتلاً، وليس مجرماً، ولم يرتكب أي جريمة، وإنما هو شهيد من شهداء الحركة القومية الاجتماعية، وكان في حالة دفاع عن النفس حين أقدم الرائد أكرم ديري قائد الشرطة العسكرية على إطلاق النار عليه، فأصابه برصاصة في أعلى ساقه الأيسر، "ورد في محضر الكشف عن جثة يونس عبد الرحيم، وفخذيه ملطخين بالدماء، كما مر معنا سابقاً" وعلى مقربة من جذعه، فأخرج مسدسه ليدافع عن نفسه، إلا أن المسدس روكب ولم يطلق أي طلقه، وهنا تقدم الملازم أول عبد الكريم النحلاوي فأجهز على يونس برصاصتين أصابه برأسه.

ويقسم العبيد بشرفه على الحديث التالي الذي دار بينه وبين الرائد محمد الجراح، مساعد النائب العام لدى المحكمة العسكرية المؤقتة، في قضية اغتيال عدنان المالكي: (إني اقسم بشرفي بأنني لم أسمع من محمد الجراح نفسه حين قابلته، والسيد جاسم علوان منذ سنتين تأكيداً على قراراته، كما يؤكد عليها المحايري والموصلي، وكل ما قاله هو أن الأمر يتطلب اعتذاراً من القوميين السوريين عن جرم ارتكبه أحد أعضاء حزبكم، وهو قتل العقيد عدنان المالكي. فأجبته بأنك تعرف جيداً، أن يونس عبد الرحيم لم يقتل ولم ينتحر، وإنما وقع القتل عليه. وعلى من تآمر على الحزب السوري القومي الاجتماعي أن يعتذر من السوريين القوميين الاجتماعيين...)

ويذكر العبيد أنه التقى حين كان طالباً في كلية التجارة بدمشق مع جلال السيد القيادي البعثي في الخمسينات من القرن الماضي وشقيقة سعيد وأكرم مقره شولي وفيصل صائب في مقهى الشام بساحة السبع بحرات بدمشق "مكان شركة الطيران السورية الآن" وحين فتح الحديث عن اغتيال المالكي قال جلال السيد: "لك اتركوكم من هالموضوع - يقصد موضوع المالكي - وتابع القول أنتم حزب تقرر القضاء عليه، فإن لم يدبروا لكم حادثة عدنان سيخترعون لكم قضية باسم قحطان، وتحمدوا الله ما يحملوكم قضية فلسطين)

ويتابع العبيد بالقول: (أعتقد أن كثيراً من القوميين قد سمعوا من السيدة محسنة عياش، الزوجة الثانية لجلال السيد، أن لديها شريط مسجل بصوته ينفي فيه أي علاقة للحزب السوري القومي الاجتماعي أفراداً ومؤسسات بجريمة اغتيال المالكي).

ويؤكد العبيد أن لأكرم الديري قائد الشرطة العسكرية بدمشق دوراً في اغتيال المالكي: (لأكرم ديري مدير الشرطة العسكرية دور في التخطيط والتنفيذ. وأنه ترك صفين من الكراسي الشاغرة وليس صفاً واحداً من الكراسي وراء المالكي. ووضع بين صفي الكراسي الشاغرة الوكيل((المساعد)) أول منير فتوحي ليمنع الناس من الجلوس عليها. وهو من أطلق النار على المالكي من مسدس عيار 7 مم).


قد يكون الحديث عن دور مصر في اغتيال عدنان المالكي في خانة المحظورات والممنوعات! ولكن ألا يجب أن نعرف تاريخنا بلونيه الأبيض والأسود "حتى يتبيّن لكم الخيط الأبيض من الخيط الأسود".
ثمة حديث وشهادات ووقائع تطال سفير مصر بدمشق محمود رياض، فهل كان للسفير المذكور دور في اغتيال عدنان المالكي؟؟ 


بعد سقوط حكم أديب الشيشكلي عام 1954م في سورية ، وتولي جمال عبد الناصر الرئاسة في مصر بدلاً من الرئيس محمد نجيب، وقعت محاولة اغتيال لعبد الناصر "حادثة المنشية" في الإسكندرية، واتهم الإخوان المسلمين بها، فعملت الحكومة المصرية على التنكيل بهم، وقررت المحكمة إعدام قسم منهم، وعلى إثر أحكام الإعدام اندلعت المظاهرات في كل أنحاء سورية تندد بالنظام المصري، خاصة أن اللواء علي نجيب أخا الرئيس محمد نجيب كان سفيراً لمصر في سورية، وكان الملحق العسكري المصري في دمشق محمود أبو الفتوح ينتمي للإخوان المسلمين،

إزاء ذلك تم إنهاء مهمة كل من السفير المصري بدمشق والملحق العسكري، وتم تعيين بدلاً عنهما ضابطي مخابرات مصريين هما العقيد محمود رياض وعين سفيراً، والعقيد عبد المحسن أبو النور الذي عين ملحقاً عسكرياً. 

ومحمود رياض هو صديق جمال عبد الناصر وظله ومن ألمع ضباط المخابرات المصرية. 
أوكل للسفير والملحق العسكري مهمة الاتصال بالضباط السوريين والسياسيين وكسب ولائهم وإشاعة مناخات وتحالفات مع القيادة المصرية، التي كان لها آنذاك وجودها في تفاصيل الحياة السورية قبل الوحدة، ومنذ وصولهما دمشق عملا على دعم عبد الحميد السراج رجل المخابرات السورية الشهير، والاتصال والتنسيق مع عدد من الزعماء السياسيين... وعلى رأسهم أكرم الحوراني، والبدء في تفتيت النظام السوري، والتدخل في شؤون البلاد 

"و اتهم وزير الدفاع السوري آنذاك معروف الدواليبي أن النظام المصري يحرض رئيس أركان الجيش شوكت شقير على التدخل في سياسة البلاد" وإثارة القلاقل، وكان جل اهتمام السفير المصري إقامة علاقات قوية مع قادة الكتل العسكرية السورية خاصة بعد تنفيذه جريمة اغتيال المالكي. 
وسائل الإعلام المصرية لم تكن بمنأى عن السياسة المصرية بدمشق، فقد سارت على خطى السفير والملحق العسكري حتى أن إذاعة صوت العرب زادت من ساعات بثها الإذاعي الموجهة إلى سورية لمدة أربع ساعات بعد أن كان نصف ساعة فقط في زمن الرئيس محمد نجيب!
عمل النظام المصري ضمن استراتيجيته للتدخل في السياسة السورية، وجعلها تسير على خطاه، وكانت أجهزة الاستخبارات المصرية ترى المالكي شخصاً لا يمكن التعامل معه أو تمرير ألاعيبها بوجوده، وكان اغتياله ضمن هذا المنظور، وما يؤكد تورط السفير المصري باغتيال المالكي، إصراره على حضور المالكي لمباراة كرة القدم بين فريقي الجيش السوري وفريق السواحل المصري، رغم أن المالكي كان ذاهباً لزيارة خطيبته في لبنان.
وعن التدخل المصري في الشؤون السورية يقول وليد المعلم في كتابه "سورية: التحدي والمواجهة": "أدى موقف فارس الخوري في اجتماع القاهرة، وسيطرة حزب الشعب على سياسة حكومته العربية، إلى تذمُّر كبار ضباط الجيش؛ وتحرُّك السياسيين بهدف تشكيل وزارة جديدة ساهم في ذلك النشاط الملحوظ الذي قام به السيد محمود رياض، السفير المصري الجديد في سورية، حيث نقل إلى بعض الأوساط استياء الرئيس جمال عبد الناصر من موقف رئيس الحكومة خلال اجتماع القاهرة"

أما محمد الفرحاني في كتابه "فارس الخوري وأيام لا تُنسى" فيقول: "ما كاد يأتي آخر يوم على الخوري في دست الحكم، حتى بدأ شراء الضمائر الخَرِبَة في سورية من قبل السفارة المصرية التي تولَّى الأمورَ فيها الأميرلاي العميد محمود رياض." 

في صباح يوم الخميس في 21 نيسان عام 1955، وأفراد عائلة محمد شمس الدين المالكي يجلسون في المنزل، رن جرس الهاتف، ويجيب على الهاتف أحد أفراد العائلة ويسأل من المتكلم، فيأتي الجواب، السفارة المصرية.. نريد الحديث مع رئيس الشعبة الثالثة، فيأخذ عدنان المالكي سماعة الهاتف ويتبادل التحيات مع المتكلم المصري "وهو السفير محمود رياض، 

وتدور المحادثة التالية بينهما: 

( محمود: أين ستمضي عطلة الأسبوع؟ 

عدنان: في صيدا إن شاء الله، سأتوجه إليها صباحاً باكراً ولن أعود إلى دمشق إلا في المساء. 

محمود: لا يا أفندم، ما يصحش تسافر بدري وتسيبنا لوحدنا، وسيادتك عارف بأن فريق السواحل المصري سيلتقي غدا مع فريقكم العسكري في مباراة لكرة القدم، تجري على ارض الملعب البلدي. 

عدنان: لكن يا باشا "وهذه كلمة اعتاد عدنان استعمالها لدى مخاطبة أي من زملائه أو أصدقائه" أنا عندي موعد مع خطيبتي، وقد اتصلت بها للتو، واتفقت معها على اللقاء غدا في صيدا. 

محمود: معليش يا أفندم، أنت ح تلغي الموعد، وحتلبي دعوتنا، لأنه ما يصحش تجري المباراة بين الفريقين العربيين وتكون سيادتك غايب. واحنا ما زلنا فاكرين حضورك مباراة فريقكم العسكري مع الفريق التركي، وازاي ألهبت حماس الجمهور الدمشقي والفريق السوري. فلازم تعمل كده تاني في المباراة معانا...) 


يحاول الشهيد عدنان الاعتذار عن حضور المباراة بأي شكل، ولكن إصرار السفير محمود رياض وإلحاحه على أهمية وضرورة حضوره المباراة، جعله يرضخ للأمر الواقع ويقبل بتلبية الدعوى "التي كانت الحد بين الحياة والموت للشهيد". 

(هذه المكالمة الهاتفية رصدها عناصر المكتب الثاني وقد تمكن رياض المالكي شقيق الشهيد من الحصول على تسجيل لها فيما بعد، وقد ذكرها في مذكراته "على دروب الكفاح والهزيمة").

في صباح يوم الجمعة 22 نيسان 1955 يتصل عدنان بخطيبته معتذراً عن اضطراره لإلغاء الموعد معها لأمر ضروري، ولم يكن يعلم أنه يسير إلى حتفه في إلغائه لهذا الموعد وأن هنالك شبكة منظمة تعمل على الإيقاع بهذا الضابط الوطني القوي بامتياز...


توجه العقيد المالكي لحضور المباراة، وتوجه أشقاؤه وشقيقاته وباقي أفراد العائلة "عدا والديه المسنين" إلى السيران كعادة أهل دمشق كل يوم جمعة واختاروا منطقة الحمة المتاخمة للأراضي الفلسطينية.. وأثناء عودة العائلة من السيران أوقفهم حاجز للجيش وتقدم ملازم وهمس في أذن شقيق الشهيد رياض بضرورة الإسراع بالعودة لدمشق!؟ ولم يوضح الملازم سبب ذلك، فأسرع رياض إلى مقر قيادة الجيش في القنيطرة واجتمع مع العقيد نوفل شحم الذي كان ينتظره على باب مقر القيادة، ليتلقى منه الخبر المذهل بأن أخاه أصيب بجراح بليغة بسبب إطلاق النار عليه في الملعب البلدي، وإنه حالياً في المشفى العسكري بدمشق، لم يشأ العقيد شحم أن يبلغ رياض أن أخاه قد اغتيل، تفادياً لهول الصدمة. 

تنطلق سيارة العائلة تنهب الأرض نهباً إلى المشفى، وحين وصولها يسرع الأخ راكضاً إلى داخل المشفى، وكم كانت لحظات قاسية مؤلمة فظيعة حين شاهد جثمان البطل مسجى ضمن نعش ملفوف بالعلم السوري "وهو نفس العلم الذي كان الشهيد استلمه من رئيس الجمهورية قبل 9 سنوات وأقسم أن يحميه بروحه ودمه" ذُهل الأخ لهول هذا المنظر،

وأول ما خطر في باله المخابرة المشؤومة الواردة من السفير المصري بدمشق محمود رياض، والتي دفعت الأمور في هذا المجرى الدامي الخطير ويقول: "لقد فعلتها الولايات المتحدة الأميركية إذن، ونفذت تهديدها الذي أبلغته للضابط الشجاع والإنسان الوطني قبل أيام قلائل زوجة الملحق العسكري الأمريكي لدى سفارة الولايات المتحدة الأمريكية بدمشق وبشكل نُصح رقيق، عندما أعلمته أن هناك خطراً يحدق بحياته، وأنها ترى من مصلحته أن يغادر البلاد هو وعروسه." 

ويتابع رياض المالكي شقيق المغدور عدنان القول: "ها هم الخونة، المتلبس بعضهم بلباس الصداقة والعقيدة، يستدرجونه بخسة ومكر، إلى الملعب البلدي، لا ليشهد المباراة الرياضية في كرة القدم، و"يزكي حماس" جمهور هواة هذه اللعبة المحببة لنفوس أبناء مدينته، بل ليشهد الجمهور الكبير المحتشد في ذاك المكان الرحب الفسيح، مصرع الوطني الغيور على بلده، والمتحمس لقضايا شعبه..".

جمال حماد الملحق العسكري في السفارة المصرية بدمشق في الخمسينيات من القرن الماضي، يقول إنه عاش مع عدنان الملكي وكان معه إلى آخر دقيقة من حياته.. وكان بجواره أثناء اغتياله، وكانا يتبادلان الحديث والنكات حين أُطلق الرصاص على المالكي.. هذا الرجل كتب في تلك الفترة عن ذكرياته عن الفقيد وقصة استشهاده

يقول: (كانت الشجاعة أول ما يميز عدنان المالكي فما كادت حرب فلسطين تنشب عام 1948 حتى ترك التدريس بالكلية العسكرية في حمص وانضم إلى الجيش بالجبهة حيث تولى قيادة إحدى سرايا المشاة. 

وأمام "التل الأسود" الحصين المجاور لمستعمرة مشمار هايدن قاد عدنان سريته مقتحماً التل الأسود ثم مدافعاً مستميتاً عن هذا التل الذي أُطلق عليه منذ ذلك التاريخ اسم "تل المالكي"... كانت معرفتي الشخصية "بالمقدم" عدنان في نوفمبر عام 1952 بعد تعييني ملحقاً عسكرياً بالسفارة المصرية بدمشق وكان قد عاد من فرنسا بعد إتمامه دورة معهد الدراسات العليا وتعيينه مفتشاً عاماً للجيش السوري، وكانت سورية وقتئذ تحت حكم "العقيد" أديب الشيشكلي، فأقبل إلى الحاكم يوضح له بصراحته المعهودة وإخلاصه مساوئ حكمه ويطالبه بتعديل سياسته ليتمشى مع مطالب الشعب..) ولكن لم يلبث الشيشكلي أن اعتقل المالكي وأودعه في سجن المزة مع عدد من الضباط والسياسيين، منهم: عبد الغني قنوت وبرهان قصاب حسن وبشير صادق والمحامي رياض المالكي والمحامي شفيق عدنان، بقي المالكي في السجن حوالي سبعة أشهر أُحيل بعدها على التقاعد والإقامة الجبرية في منزله، ومن ثم رحل الشيشكلي وأعيد المالكي إلى الجيش.
يصف الملحق العسكري المصري جريمة اغتيال المالكي فيقول: (اختار المجرمون يوم 22 نيسان عام 1955 موعداً لتنفيذ جريمتهم البشعة وكان هذا اليوم محدداً لإقامة مباراة كرة القدم بين فريق السواحل المصري وفريق الشرطة العسكرية السوري على أرض الملعب البلدي بدمشق.. ولم تكد الساعة تبلغ الثالثة من هذا اليوم المشؤوم حتى امتلأ الملعب البلدي على سعته بجموع حاشدة من السوريين والمصريين مدنيين وعسكريين

ويقول اللواء جمال حماد : وكانت جلستي في المقصورة الرئيسية في الصف الثاني بين: الزعيم توفيق نظام الدين من أركان الجيش السوري والبكباشي أبو بكر عزام من مصلحة السواحل المصرية ،

وفي الصف الأول جلس الزعيم شوكت شقير رئيس الأركان العامة السورية وقتئذ وعلى يمينه السيد محمود رياض سفير مصر بدمشق وعلى يساره اللواء عبد العزيز فتحي مدير مصلحة السواحل وقتئذ، 

وبعد دقائق قليلة من جلوسي أقبل العقيد عدنان المالكي وكان كعادته مرحاً مبتهجاً لا تفارق الابتسامة شفتيه.. جلس في المقعد الذي ورائي مباشرة.. لم تكد تمرّ خمس دقائق على بداية المباراة حتى سمع المتفرجون دوياً هائلاً ثلاث مرات متتالية ثم وجدوا المقصورة الرئيسية وقد سادها الهرج والمرج،

وكنت خلال سماعي الطلقات قد استدرت للخلف لأتبيّن سرّ هذا الدوي فوقعت عيناي على جندي سوري وقد ألصق فوهة مسدسه بصدغه وأطلق رصاصة على نفسه فخر صريعاً على الأرض، وفي نفس اللحظة تبيّنت أمامي صديقي عدنان المالكي وهو مازال جالساً على كرسيّه وقد أطرق برأسه على صدره وانبثق من جبهته سيل الدماء.. كل ذلك جرى في ثوان قليلة وبسرعة مذهلة،

واتضح أن الجاني الأثيم جندي بالشرطة العسكرية وينتمي للحزب القومي السوري وقد شاء القدر ألا يجلس أحد من الضباط المتفرجين خلف الصف الذي به العقيد عدنان فاقترب الغادر الأثيم من الفقيد دون أن يثير الشكوك باعتباره جندياً في الشرطة العسكرية وانتهز فرصة انشغال المتفرجين بتتبع هجمة للفريق المصري على المرمى السوري واقترب حتى لامس مسدسه رأس الفقيد ثم أطلق عليه طلقتين. أصابت الأولى رأسه والثانية عنقه فصرعه في الحال "هنالك روايات تقوم إنه لم يفارق الحياة مباشرة ومنها شهادة الصحفي السوري هاني الشمعة التي ستمر معنا لاحقا"، ثم وجه مسدسه إلى صدغه وأطلق طلقة خرَّ على إثرها صريعاً على الأرض دون أن يتمكن أحد من القبض عليه قبل انتحاره).


وفي لقاء مع فضائية الجزيرة عام 2010 يعيد جمال حمادة نفس الرواية مع اختلافات طفيفة. ولكن هنالك من يشكك في هذه الرواية وهو القيادي القومي السوري عبد القادر العبيد "كما سيمر معنا لاحقاً" وهنالك من يشكك بصدقية جمال حماد نفسه "جريدة العربي المصرية يوم الأحد 15-2-2009".

شهادة عفيف البزري: 

( كانت تربطني بالعقيد المالكي صداقة تعود إلى أيام الكلية العسكرية حيث كان الشهيد متقدمي. وارتبطنا معاً في تنظيم العسكريين العرب الوطنيين في القطعات الخاصة أيام الانتداب الفرنسي، كما التقينا معاً في عدد من المواقع قبل جلاء الأجنبي عن أرض الوطن وبعده.

وكنّا مدرّبين لدورتي الاستقلال في الكلية العسكرية، الدورتان اللتان اشتهرتا، مع الدفعات الأخرى المستجدة، في الأحداث التاريخية التي مرت بسورية. وأوفِدْنا إلى باريس ، المالكي لدورة الأركان وأنا للدراسة في المعهد الجغرافي الفرنسي،

بعد سقوط حسني الزعيم مباشرة 1949، وكان هذا الإيفاد للإبعاد في ظروف التقلبات السياسية حينذاك.. كان حزني شديداً لاستشهاد هذا الرمز الكبير للحرية والكفاح من أجل تقدم الوطن. وعندما درست إضبارة الدعوى واطلعت على ما فيها من مستمسكات تثبت تورط المخابرات الأميركية في تدبير وارتكاب هذه الجريمة النكراء اتصلت عندي الصور البشعة لجرائم هذه الدولة ضد الإنسانية وضد أمتنا ووجدت فيها شريطاً واحداً طويلاً يطول ويطول: من إبادة الهنود الحمر واغتصاب مرابعهم، إلى أرتال الفلسطينيين الناجين من المذابح على الطرقات المؤدية إلى المخيمات التي نصبت لهم بعيداً عن أرضهم التي احتلها الخزر المتهودون الذين أتوا ليقيموا قاعدة لأميركا في وطننا فلسطين). 
--
كان الفريق البزري يعتقد اعتقاداً راسخاً أن الجهة التي اغتالت المالكي هي ذاتها التي اغتالت أنطون سعادة مؤسس الحزب القومي السوري عام 1949 واغتالت المقدم العلوي غسان جديد رئيس التنظيم العسكري للحزب القومي السوري داخل الجيش السوري ، إنها المخابرات الأمريكية، وهو كان يدعم قناعته هذه بالمعلومات التي اطلع عليها بوصفه عضواً في هيئة المحكمة التي نظرت قضية المالكي.


قد كان يترحم عليهم جميعاً ويعدّهم شهداء الوطن وضحايا العدو الأمريكيِ، ويذكر البزري في هذا الصدد، أن من جملة من جنّدتهم المخابرات الأميركية المدعو هشام الشرابي الذي كان أحد المستشارين المقربين لياسر عرفات، وشغل كرسي أستاذه شارل مالك في إحدى جامعات الولايات المتحدة الأميركية إلى جانب عضويته في المجلس الوطني الفلسطيني وإلى جانب نشاطه في الأوساط العربية الفلسطينية في أميركا وفي الخليج العربي وبقية الأقطار العربية كرئيس لمنظمة صداقة أميركية فلسطينية لصالح المخابرات الأميركية بطبيعة الحال.

و يشير البزري، أن هشام الشرابي تم تجنيده في خدمة أميركا والصهيونية منذ أيام النكبة عام 1948، عندما كان الصهاينة يشردون أهله من وطنهم فلسطين، حيث التقطه شارل مالك كتلميذ له في الجامعة الأميركية في بيروت، فكان هو وأستاذه هذا الذي طالما خدم مخططات أميركا في الأمم المتحدة كرئيس لوفد لبنان، وفي النظام اللبناني كوزير للخارجية، وفي الأوساط الثقافية العربية في لبنان والولايات المتحدة الأميركية، وكأحد الرموز الذين تآمروا على لبنان وحطموا وحدته.

يتابع البزري قائلاً، هشام شرابي الفلسطيني الأصل الأميركي الجنسية مع أستاذه وأبيه الروحي السيئ الصيت شارل مالك نشأ وترعرع في أحضان الـ (سي.آي.إيه) ومع نشوء ونمو هذه المؤسسة التخريبية العالمية، التي بدأت بإقامتها الإدارة الأميركية في أعقاب الحرب العالمية الثانية عندما كانت منهمكة في سلب فلسطين منّا لتقيم عليها قاعدتها الصهيونية.

وقد اندس مع أستاذه شارل مالك في صفوف السوريين القوميين منذ تلك الأيام للنكبة. ثم رحل مع أستاذه هذا إلى أميركا ليلتحق هناك بإحدى جامعاتها حيث كان أستاذه يحاضر فيها. وكان يحمل، بطبيعة الحال، حلم دعوة الحزب السوري القومي للتعاون مع الولايات المتحدة الأميركية وخدمة مخططاتها في بناء قلب إمبراطوريتها العالمية في المنطقة العربية الآسيوية بدلاً من المسعى الوطني لتحقيق وحدة الهلال الخصيب التي تنفي هذا القلب الاستعماري وتقتلع حبته، الكيان الصهيوني.

فأجرى مع أستاذه شارل مالك الاتصالات بالمخابرات الأميركية، وأرسل التقارير إلى قيادات حزبه يدعوهم فيها بإلحاح للتعاون مع الإدارة الأميركية. وكان من جملتها تقريره المؤرخ في 24 كانون الثاني عام 1955 الذي كان من جملة المستمسكات المقدمة إلى المحكمة التي نظرت بقضية المالكي والتي أحيل إليها هذا الشرابي كمتآمر ومحرض على اغتيال المالكي. ونعطي فيما يلي النص الكامل للتقرير المذكور فهو يجمل ويصور بوضوح النشاط التخريبي الأميركي في الأحزاب الوطنية العربية:"هذا التقرير السري في غاية الخطورة وهو مستقى من مصدر موثوق به مطلع على دخائل السياستين العربية والأميركية...

تابع الفريق البزري الحديث عن هذا التقرير السري فيقول: (الحكومة الأميركية خطتها ربط العراق أولاً بحلف مع تركيا ومن ثم الأردن والجمهورية السورية ولبنان. وبموجب هذه الخطة ينفصل العالم العربي إلى منطقتين: شمالية في الهلال الخصيب وجنوبية هي مصر والسعودية. إن لبنان والأردن راغبان في الانضمام إلى الحلف والمسألة مسألة وقت. أما سورية وهي في وضعها الحالي عاجزة عن اتخاذ موقف حازم تجاه هذه القضية الأمر الذي يجعلها في عزلة. فالسياسة الأميركية منصرفة انصرافاً عنيداً إلى تهيئة الجو لحدوث انقلاب داخلي فيها. ولكن السياسة الأميركية تلاقي صعوبات كبيرة في هذا الأمر بالنظر إلى خلو المسرح السياسي في سورية من أحزاب أو هيئات أو أشخاص ترى فيهم إمكانية قيام الانقلاب المذكور. فإذا اتخذ الحزب السوري القومي موقفاً صريحاً واضحاً يتصف علناً أولاً بمقاومة الشيوعية وثانياً بالاستعداد للتعاون مع الغرب بشروط تؤمّن وتضمن المصلحة العليا؛ يكون عندئذ في موقف يخوِّله التفاوض على أساس إنه الهيئة المؤهلة لإقامة الحكم الإيجابي القوي...)

ويتابع البزري عن جريمة اغتيال المالكي والدور الأميركي فيها، وكيف اختارت المخابرات الأمريكية الوقت المناسب لتبدأ بتنفيذ مخططها الذي أعدت له وجندت له الأداة والأدوات "كما مر معنا سابقاً"، وهذا الوقت الذي انتظرته المخابرات الأمريكية كان خلال الفترة التي شارفت فيها ولاية الرئيس هاشم الأتاسي على الانتهاء، حيث كان الصراع في سورية وعلى سورية في أشده والتدخلات الخارجية في الشأن السوري كانت واضحة خاصة من قبل السعودية ومصر وكان هنالك قلق من قبل السياسيين الوطنيين والعسكريين على البلاد

فيقول البزري: (كانت جماهير العسكريين تشارك البعث في قلقه وفي مقدمتهم العقيد عدنان المالكي. فقررت المخابرات الأميركية أن تضرب ضربتها باغتيال العقيد عدنان، وأعدت العدة للقيام بهذه العملية الإجرامية، ووزعت بعناية فائقة الأدوار على عملائها.)

ويتابع بالقول: (أما أميركا التي أطلقت الحدث الكبير الذي هو التآمر لاغتيال المالكي وتنفيذ هذا الاغتيال، فإنها لم تُبَلِّغْ، بطبيعة الحال، عن هدفها وتفاصيل خطتها للوصول إلى هذا الهدف أياً كان من البشر، اللهم سوى واضع هذه الخطة ومحدد هدفها. إنها لن تقول مثلاً للمستفيد الأول من خطتها وهو المرحوم القوتلي إنها ستعمل على إيصاله إلى كرسي الرئاسة لأنه كان سيرفض بالتأكيد هذا العرض لوطنيته وإبائه أن يكون المستعمر وسيلته للفوز بهذا الكرسي. ولو كان قد علم بأنها كانت تدبر اغتيال العقيد المالكي لتسهيل هذا الأمر لكان إذن انضم إلى صفوف محاربيها بكل تأكيد لمنعها من تنفيذ جريمتها. وقد يكون أحد مسؤوليها قد أبلغ القوتلي عن أنها لا تمانع في عودته إلى الحكم وأنها ستكون مسرورة بفوزه، فإنه، بهذا الاحتمال، سيكون ممتناً لهذا السرور، وإن كان كاذباً فهو غير مسؤول عن صدقه أو كذبه أو غرضه، فكل هذا من شأن صاحبه.. فيجب أن يصوَّر الحادث على إنه صراع على السلطة بين حزب البعث وبين الحزب السوري القومي. أي في النتيجة إخفاء الهدف الحقيقي لجريمة الاغتيال وهو تدمير كل طموح سوري لإشعال مقاومة عربية جادة ضد مخططات صهينة المنطقة لحساب الرأسمالية الاحتكارية الأميركية.. اغتيال العقيد عدنان المالكي ما كان نتيجة صراعات شخصية ولا حزبية محلية، وإنما كان في إطار مخطط أميركي لمحاصرة الحركة الوطنية السورية ومنعها من قيادة ثورة التحرر العربي للسير بالأمة العربية نحو توحيد وطنها بعد طرد قدماء المستعمرين منه واجتثاث الصهيونية من فلسطين. كانت الرأسمالية الاحتكارية الأميركية في تلك الأيام منهمكة في بناء الاستعمار الجديد على أنقاض القديم).

وتبقى الحقيقه طي الكتمان ..حكايه من دمشق 
منقول 

Damascus..